شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
محاضرات عن طلب العلم وفضل العلماء
15549 مشاهدة
أهمية العلم الشرعي ورفعة منزلته

وإذا عرفنا المراد بالعلم فنذكر كلمات في أهمية هذا العلم الشرعي، بعض الأدلة من الآيات والأحاديث وهي كثيرة، فمنها: أن الله تعالى فضل آدم -عليه السلام- بالعلم في قوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا لما علمه الأسماء كلها كان ذلك دليلا على فضله فأمر الملائكة فسجدوا له وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ تفوق بهذا العلم الذي فتحه الله عليه والذي علمه إياه؛ فهذا دليل على فضل العلم.
كذلك استشهد الله بالعلماء قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ ؛ عطف أولي العلم على الملائكة، ولم يذكر غيرهم؛ ما ذكر أحدا من أهل الأرض إلا أولي العلم لماذا؟ لأن أولي العلم هم الذين يعرفون ربهم، وهم الذين يعرفون توحيده، ويعرفون حقوقه، عرفوا ذلك بالأدلة فاستشهد الله تعالى بهم.
كذلك أخبر بعدم المساواة بينهم وبين غيرهم في قوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ؛ الجواب: لا يستوون، لا سواء بين أولي العلم وبين أهل الجهل.
كذلك أخبر بأنه يرفع أهل العلم، ولم يذكر هذا الرفع لغيرهم إلا للصحابة أو للمؤمنين الأتقياء الذين يعملون به قال الله تعالى: إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ .
يرفع الذين أوتوا العلم درجات، وهذه الدرجات تكون في الدنيا وتكون في الآخرة، فهذه الدرجات كونهم يكونون أئمة للأمة وقادتهم وقدوتهم، وكونهم لهم ذكر حسن ولسان صدق، وكونهم في الآخرة يرفعهم الله تعالى درجات في الجنة فهذه من فضائل العلم.
من فضائل العلماء أنهم أهل الخشية، قال الله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ حقا إنهم هم الذين يخشون الله حق خشيته؛ بمعنى أنهم عرفوا جلال ربهم وكبرياءه، وعرفوا استحقاقه للعبادة فعظم قدر ربهم في قلوبهم فكانوا أهل الخشية حقا، الخشية هي شدة الخوف إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ .
كذلك ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر فضل العلماء، ففي الحديث المشهور عن أبي الدرداء قال صلى الله عليه وسلم: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة هذا فضل كبير، وهو عام فيمن سلك طريقا طويلا أو قصيرا.
ولقد اهتم الصحابة بطلب العلم وغيرهم عملا بهذا الحديث؛ فكان بعضهم يسافر مسيرة أشهر، سافر بعض الصحابة من المدينة إلى مصر مسيرة شهر ذهابا ومسيرة شهر إيابا لأجل حديث واحد.
كذلك سافر الإمام أحمد -رحمه الله- من العراق إلى صنعاء اليمن لأجل أن يأخذ عن شيخه عبد الرزاق قطع المسافة في شهرين ذهابا وفي شهرين رجوعا أو نحوها، كل ذلك حرصا على العمل بهذا الحديث أنه سلك طريقا يلتمس فيه علما.
كذلك كان بعضهم يغيب في طلب العلم عشر سنين أو عشرين وربما وصل إلى أربعين يغيبها في طلب العلم وفي التزود من العلوم، هذا دليل على ما فتح الله تعالى عليهم ورزقهم من الاهتمام بالعلم النافع والعمل الصالح.
في هذا الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: إن العالم ليستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر استغفارهم له لفضل ما تحمله ولفضل ما علمه، كما في حديث آخر: إن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير صلاة الله: ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، وصلاة الملائكة: الاستغفار؛ يستغفرون لمعلم الناس الخير، في هذا الحديث أيضا يقول: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم أي: تتواضع له وضع الطير جناحه تواضعا، فأخبر بأن الملائكة تتواضع لطالب العلم رضا بما يصنع .
كذلك أخبر صلى الله عليه وسلم بأن: العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر .
ذكروا عن بعض الصحابة كأبي هريرة أو بعض المتأخرين رأى في المسجد عالما يعلم وحوله حلقة كبيرة، فمر على بعض الجهلة في السوق فقال: أتجلسون هاهنا وميراث النبي -صلى الله عليه وسلم- يقسم في المسجد، فلما جاءوا المسجد لم يجدوا فيه إلا حلقات علمية، فقال: هذا هو الميراث الحقيقي الذي من ورثه فهو من الرابحين.